انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح الاحتراق الوظيفي في مؤسساتنا على اختلاف مجالاتها وتخصصاتها أكثر من أي وقت مضى، في ظل تراكم الضغوطات والمسؤوليات والطموحات لدى الأفراد، إذ تنادي القيادات في كافة المؤسسات إلى مناخ تنظيمي إيجابي وبيئة جاذبة وآمنة وتحقيق رضا وظيفي تحفز العاملين ولكن على أرض الواقع يظهر النقيض بفقدان العاملين الشغف والرغبة تجاه أداء المهام، والشعور باستنفاد الطاقات والدافعية للاستمرار في العمل نتيجة لعبء العمل أو عدم وضوح الوصف الوظيفي أو التهميش وظيفياً وسحب مهام وتحجيم الصلاحيات وفقدان الأمان ال?ظيفي وفقدان الحماس والدافعية لأن عمله مهدد وغير مستقر فينعكس على حالته النفسية والجسدية متسبباً بالتوتر والضغوطات والإرهاق الجسدي والذهني والعاطفي مما يلقي بظلاله على سير حياة العامل الشخصية والعملية، فتسود نظرة سلبية متشائمة نحو العمل والحياة وفقدان الحافز وفتور النشاط والطاقة وتراجع الأداء والإنتاجية.
ومن المعلوم أن الاحتراق الوظيفي لا يأتي فجأة، ولكن عبر سلسلة مراحل تبدأ أولاً بالشعور بالتوتر من أداء المهام، ثم مرحلة الإجهاد ثانيًا عندما يدرك الفرد بأن الأيام تزداد صعوبة فيتراجع الشعور بالتفاؤل والإحساس بالإجهاد، والتوتر الجسدي والنفسي والذهني وارتفاع ضغط الدم وتسارع نبضات القلب وعدم القدرة على التركيز والشعور بالانزعاج وغياب الرضا الوظيفي وعدم القدرة على النوم بسرعة مما يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وتدني الإنتاجية والقلق وتجنب اتخاذ القرارات والإرهاق والنسيان والإهمال والصداع المتكرر فينتقل إلى المرحلة ?لثالثة وهي الإجهاد الدائم إذ يزداد مستوى الإجهاد والتوتر، ويتحول التحفيز نحو العمل إلى توتر دائم، فتنعدم القدرة على إنجاز مهام العمل في الوقت المحدد والشعور بتعب مستمر والكسل الشديد في فترة الصباح والمرض وعدم الرغبة بالذهاب إلى العمل والتعب والاستمرار في تأجيل المهام في العمل والاستياء والانعزال عن الأصدقاء والأقارب والسلوك العنيف والعصبية والإرهاق المستمر والتشاؤم والشعور بالتهديد والذعر والإقبال المتزايد على استهلاك المنبهات الغنية بالكافيين، رابعًا الاحتراق الوظيفي إذ تصبح الأعراض حرجة، وهي المرحلة الأك?ر شهرة بين جميع المراحل والتي يتحدث عنها الجميع فيصبح الاستمرار بشكل طبيعي صعباً للغاية ولا بد من الحصول على المساعدة أمراً حتمياً لا مناص منه إذ تتعاظم لدى الفرد الرغبة بالهرب من الواقع المحيط والشعور بالفراغ الداخلي واستحواذ المشاكل على التفكير وتسود النظرة المتشائمة نحو العمل والحياة مع تزايد الأعراض الجسدية التي ذكرت سابقاً وانعدام الثقة بالنفس وحدوث تغيرات سلوكية كبيرة وحدوث الصداع المتكرر ومشاكل مستمرة بالأمعاء والجهاز الهضمي وممارسة نشاطات انعزالية والرغبة بالهروب من المجتمع والرغبة بالانتقال بعيداً?عن العمل وعن الأصدقاء و هي مع ذلك لا تزال مرحلة يمكن الرجوع منها الى ما قبلها بالحصول على مساعدة متخصصة لكن بالوصول الى المرحلة الخامسة المسماة الاحتراق الوظيفي الثابت وهي المرحلة الأخيرة تصبح الأعراض جزءاً طبيعياً من حياة الشخص مما يعني الشعور بالأعراض الجسدية والذهنية والعاطفية بشكل يومي دون توقف وأخطر أعراض هذه المرحلة: الشعور المستمر بالحزن والاكتئاب وإرهاق دائم جسدي وذهني.و كما هو واضح لا يستطيع الموظفون حل هذه المعضلة بأنفسهم إذ لابد لأصحاب القرار والمسؤولين في المؤسسة من اتخاذ الإجراءات للتخفيف من ه?ه المتلازمة من خلال تثبيت اوصاف وظيفية واضحة ومحددة بالمهام المطلوبة من كل موظف، و توضيح بنود التحفيز المادي والمعنوي لتوفير بيئة محفزة على الأداء والعطاء، وفتح باب الحوار والنقاش و اعتماد سياسة الباب المفتوح لإتاحة الفرصة لمنسوبي المؤسسة للتعبير عن الأمور المقلقة لهم سواء على صعيد بيئة العمل او مستقبلة ليتمكن المسؤول المباشر من حلها أو تقديم مقترحات وأفكار و حلول فمن المعلوم أن تواجد القائد في الميدان بين أعضاء فريقه يجعله اقدر على التعرف الى احتياجاتهم وتطلعاتهم مما يزيد من قدرته على الحد من هذه الظاهرة،?كما أن عقد دورات تدريبية لتنظيم الوقت وعدم إجهاد جدول أعمال الموظفين بالتزامات لا يمكن الوفاء بها أمور لا بد منها لتحقيق الرضا الوظيفي، و رفع سوية الموظف و قدره على تلقي المسؤوليات، وبث طاقة إيجابية ورسائل تحفيزية والثناء على الفريق وجهودهم، ومنحهم التفاؤل، وتشجيعهم للالتزام نحو المهام الوظيفة وفق أطر واضحة، ودعم الإبداع المستمر لتحقيق الإنتاجية العالية كما أن منح العاملين فترات راحة وإجازات سنوية والقيام بأنشطة لتقليل الإجهاد والتوتر مثل ممارسة التأمل والرياضة يشجع الموظف و يمنحه الحماس والإيجابية و يتيح ?ه فرصة الابتعاد عن شعوره بالاكتئاب و يمنحه الوقت و الإرادة لإعادة النظر في إيجابيات مكان العمل وعمل الفريق وتقدير كل فرد بأهمية دوره في المؤسسة، وتعزيز العلاقات مع فريق العمل لرفع مستوى النجاح والاستقرار، والعمل على ملء اليوم بتفاصيل جميلة تسعد الموظف، كفرصة الجلوس على المكتب بكل هدوء لايمانه بقدرته على إنجاز المهام بوقت محدد، والعلم ان وقته يسمح له بتناول الغداء بالقرب من العمل مع أحد الأصدقاء، والتركيز على تذكر الإيجابيات الموجودة بالوظيفة، كل ذلك يساهم برفع الطاقة الداخلية للموظف الأمر الذي يشكل جداراً ?مام كافة المهمشين والمحبطين الذين يدفعونه للشعور بالاحتراق الوظيفي.